"الممرة"
قرية صغيرة ذات بيوت صغيرة متلاصقة وسخة00
تقع في قعر العراق في الشمال بعيداً عن بغداد مسيرة يومين للماشي على قدميه
في أحد دروب الممرة الضيقة يسمع وقع أقدام متعثرة00غير منتظمة00
الوقت ليلاً00وبسبب من ضوء القمر الشحيح انطرح على الأرض ظلال شخص يمشي مترنحاً00وعندما لفه الدرب إلى باحة مغلقة على جنباتها عدة أبواب مغلقة00
تبينت هيئته واضحة تحت شحوب القمر00شاب في السابعة والعشرين00بثياب بالية00وطاقية فقدت لونها الأصلي00متوسط القامة 00متين العضلات00حزين الملامح،بعينين نصف مغمضتين00كان سكراناً إلى درجة متوسطة00ثقيل الخطى00يغطي زوايا فمه المليح زبد من اللعاب0وقف الشاب أمام أحد الأبواب المغلقة وطرقه00كان البيت يدل على مستوى ساكينه00بيت صغير لصياد فقير00
بعد فترة فتح الباب وأطلًت منه وجه امرأة مُسنًة،تمسك خمارها على وجهها،فلما عرفت في الشاب ولدها الوحيد تركت خمارها يسقط عن وجهها وهتفت في حزن وألم:
- أنت سكران يا ولدي؟!
أجابها الشاب بصبر نافذ:
- أريد أن أنام00وقبل أن يدفع الباب للدخول أغلقته بسرعة فصاح الشاب:
- أفتحي ياأماه00أنا لا أقوى على الوقوف!
ومن وراء الباب أجابته:
- سيرتك السيئة يا ولدي سترديك00 وسيطردك أبوك من البيت0
- افتحي الباب،ولن يعلم أبي إنه نائم0
- لن أدعك تدخل حتى أخبره0
- لا تخبريه بشيء00إن علم بحالي فسيطردني إلى الأبد00 لقد هددني بذلك0
- لقد أقسم عليً بأن أوقظه حال وصولك0
- الويل لي!
كان يتكلم بلسان ثقيل00
وزال عنه شيء من غبش السكر عندما سمع وقع أقدام والده يتجه نحو الباب0
وتوقع حدوث أسوأ الأشياء0 فظل واقفاً مستسلماً لما سيحدث00إنه يخشى هذا الكهل فقد هدده مراراً0
وفتح الباب لتخرج منه عصا غليظة، وتهوي على رأسه فيسقط مرعوبا متألماَ00وجلس على الأرض يتحسس رأسه00ورفع عينيه فصدم بمرأى والده الذي خلت ملامحه من أي بشائر التسامح00كانت لحيته البيضاء المستطيلة ترتجف بارتجاف فكه الأسفل وفي عينيه نظرات الغضب والحسرة ونهره الشيخ بغلظة:
- لماذا جئت؟أجاب وهو يتحسس الكرة الصغيرة التي نبتت في رأسه:
- أريد أن أنام0
- ليس عندي مكان لك بعد اليوم!
فسأل الشاب في لهفة:
- وأين أذهب؟!
- إلى أي أرض تعجبك0
- اعف عني يا أبتاه وأعدك أني00
- اصمت00 لقد سئمت وعودك الكاذبة00عليك الآن أن تتدبر شئونك0وقال الشاب بخجل:
- دعني أنام هذه الليلة فقط!
وقالت أم الشاب التي كانت تقف خلف زوجها:
- دعه ينام هذه الليلة يا عبدالمغيث ويرحل في الصباح؟
- رد الكهل بحزم:
- لن يتعدى هذه العتبة00اعطني صرة ثيابه0وبعين دامعة ناولته المرأة صرة كانت في يدها فأخذها وقذف بها في وجه ولده الوحيد وهتف محنقاً:
- هذه ثيابك يا غياث لست ولدي ولست والداً لك00!
وتناول الشاب الصرة وقام من على الأرض،وهم بأن يلقي بنفسه على والده ويقبل قدميه رجاء عفوه،لكن ما فعله الشيخ قطع عليه آماله، فقد قبض ثوبه من جهة صدره وهزًه بعنف وكأنه طفل وصاح في وجهه:
- اسمع00 إذا رأيتك في هذا المكان مرة أخرى00سأهشم رأسك00 ثم طرحه على الأرض ودخل مغلقاً الباب وراءه0لفترة جمد الشاب في مكانه ثم تحرك بتراخ00
لم يدر إلى أين سيذهب، فهام على وجهه مدة حتى صار في ظاهر القرية00 ثم وجد نفسه يسير جنوباً بمحاذاة نهر دجلة متجهاً إلى بغداد00
كان يلزمه مسيرة يومين ليصل إلى عاصمة الخلافة00 لكنه مشى متباطئاً بغير حرص على الوصول00كان يجر رجليه جراً!
يتبع ...
قرية صغيرة ذات بيوت صغيرة متلاصقة وسخة00
تقع في قعر العراق في الشمال بعيداً عن بغداد مسيرة يومين للماشي على قدميه
في أحد دروب الممرة الضيقة يسمع وقع أقدام متعثرة00غير منتظمة00
الوقت ليلاً00وبسبب من ضوء القمر الشحيح انطرح على الأرض ظلال شخص يمشي مترنحاً00وعندما لفه الدرب إلى باحة مغلقة على جنباتها عدة أبواب مغلقة00
تبينت هيئته واضحة تحت شحوب القمر00شاب في السابعة والعشرين00بثياب بالية00وطاقية فقدت لونها الأصلي00متوسط القامة 00متين العضلات00حزين الملامح،بعينين نصف مغمضتين00كان سكراناً إلى درجة متوسطة00ثقيل الخطى00يغطي زوايا فمه المليح زبد من اللعاب0وقف الشاب أمام أحد الأبواب المغلقة وطرقه00كان البيت يدل على مستوى ساكينه00بيت صغير لصياد فقير00
بعد فترة فتح الباب وأطلًت منه وجه امرأة مُسنًة،تمسك خمارها على وجهها،فلما عرفت في الشاب ولدها الوحيد تركت خمارها يسقط عن وجهها وهتفت في حزن وألم:
- أنت سكران يا ولدي؟!
أجابها الشاب بصبر نافذ:
- أريد أن أنام00وقبل أن يدفع الباب للدخول أغلقته بسرعة فصاح الشاب:
- أفتحي ياأماه00أنا لا أقوى على الوقوف!
ومن وراء الباب أجابته:
- سيرتك السيئة يا ولدي سترديك00 وسيطردك أبوك من البيت0
- افتحي الباب،ولن يعلم أبي إنه نائم0
- لن أدعك تدخل حتى أخبره0
- لا تخبريه بشيء00إن علم بحالي فسيطردني إلى الأبد00 لقد هددني بذلك0
- لقد أقسم عليً بأن أوقظه حال وصولك0
- الويل لي!
كان يتكلم بلسان ثقيل00
وزال عنه شيء من غبش السكر عندما سمع وقع أقدام والده يتجه نحو الباب0
وتوقع حدوث أسوأ الأشياء0 فظل واقفاً مستسلماً لما سيحدث00إنه يخشى هذا الكهل فقد هدده مراراً0
وفتح الباب لتخرج منه عصا غليظة، وتهوي على رأسه فيسقط مرعوبا متألماَ00وجلس على الأرض يتحسس رأسه00ورفع عينيه فصدم بمرأى والده الذي خلت ملامحه من أي بشائر التسامح00كانت لحيته البيضاء المستطيلة ترتجف بارتجاف فكه الأسفل وفي عينيه نظرات الغضب والحسرة ونهره الشيخ بغلظة:
- لماذا جئت؟أجاب وهو يتحسس الكرة الصغيرة التي نبتت في رأسه:
- أريد أن أنام0
- ليس عندي مكان لك بعد اليوم!
فسأل الشاب في لهفة:
- وأين أذهب؟!
- إلى أي أرض تعجبك0
- اعف عني يا أبتاه وأعدك أني00
- اصمت00 لقد سئمت وعودك الكاذبة00عليك الآن أن تتدبر شئونك0وقال الشاب بخجل:
- دعني أنام هذه الليلة فقط!
وقالت أم الشاب التي كانت تقف خلف زوجها:
- دعه ينام هذه الليلة يا عبدالمغيث ويرحل في الصباح؟
- رد الكهل بحزم:
- لن يتعدى هذه العتبة00اعطني صرة ثيابه0وبعين دامعة ناولته المرأة صرة كانت في يدها فأخذها وقذف بها في وجه ولده الوحيد وهتف محنقاً:
- هذه ثيابك يا غياث لست ولدي ولست والداً لك00!
وتناول الشاب الصرة وقام من على الأرض،وهم بأن يلقي بنفسه على والده ويقبل قدميه رجاء عفوه،لكن ما فعله الشيخ قطع عليه آماله، فقد قبض ثوبه من جهة صدره وهزًه بعنف وكأنه طفل وصاح في وجهه:
- اسمع00 إذا رأيتك في هذا المكان مرة أخرى00سأهشم رأسك00 ثم طرحه على الأرض ودخل مغلقاً الباب وراءه0لفترة جمد الشاب في مكانه ثم تحرك بتراخ00
لم يدر إلى أين سيذهب، فهام على وجهه مدة حتى صار في ظاهر القرية00 ثم وجد نفسه يسير جنوباً بمحاذاة نهر دجلة متجهاً إلى بغداد00
كان يلزمه مسيرة يومين ليصل إلى عاصمة الخلافة00 لكنه مشى متباطئاً بغير حرص على الوصول00كان يجر رجليه جراً!
يتبع ...